كل عام وشعب مصر بخير وسعادة واستقرار.. مصر في إجازة، ولأول مرة أحس أن الوطن في حاجة إلي إجازة طويلة، بعد أن تقطعت أنفاسنا خلف الغضب والتظاهر والاعتصام وأزمة رغيف الخبز.
كنا في أشد الحاجة إلي إجازة من ارتفاع الأسعار، والصراخ المتبادل، والحديث عن تعديلات وزارية، وثبات أسعار الحديد منذ أسبوعين. كنا في حاجة إلي إجازة بعد أن أصبحت مصر ٢٨ محافظة، حتي لا نتحدث عن المحافظتين الجديدتين، وعن تقسيمهما وحدودهما ومقري المحافظين الجديدين.
نحن في حاجة إلي إجازة بعد الإفراج عن إسراء عبدالفتاح، التي استكانت في بيتها آمنة مطمئنة، بعد أن وعدت بعدم الاقتراب من الـ«فيس بوك» مرة ثانية، وإن كنت أتوقع أنها ستظهر بكتاب أو مدونة تحكي فيها مشاعرها البريئة وحكاياتها في السجن علي مدي ثلاثة أسابيع.
نحن في إجازة، لذا لن أتوقف أمام مناشدة «المركز المصري لحماية ودعم صناعة الدواء» رئيس الجمهورية بألا يسمح لوزير الاستثمار ببيع ٤ شركات أدوية لشركات رأسمالها إسرائيلي وتحمل أسماء عربية، بقصد تخريب صناعة الدواء المصري،
ولن أتوقف طويلا أمام المطالبة بنقل تبعية شركات الدواء إلي وزارة الصحة، لأن هذا ببساطة لا يعني البيع، فهي حكومة واحدة،
والبيع - كما قال جمال مبارك - هدفه استكمال البنية التحتية.. ليس مهماً البنية الفوقية، فلا حل إلا البيع وتشريد العمال حتي نصبح وطناً بلا أصول.. وأصولاً تملكها شركات أجنبية مشكوك في نواياها.
نحن في إجازة.. ففضوها سيرة، ولا تتحدثوا عن تعديلات وزارية، لأن هذا لن يحدث الآن، فما ذهب سيئ إلا وجاء أسوأ منه، فاحمدوا الله علي من يحكموننا.. «تغيير إيه دلوقتي» البلد بطنه مفتوح وعمليات البيع لم تنته بعد، وأعضاء الحكومة «شلة»،
والـ«شلة» وفية لبعضها البعض. والذين تحلمون بتغييرهم لن يتغيروا، فهم الذين يتحكمون في البورصة، وفي البناء، وفي العلاج، وفي الاقتصاد المصري.. من مجنون يهز هذا الاقتصاد العائلي، إلا إذا أراد أن يهز مصر «أصلها مش مهزوزة».
نحن في إجازة، فاستمتعوا بها، ودعوا الوطن ينام قليلا، فقد جفاه النوم طويلاً، واستريحوا وريحونا، كل واحد يفكر في نفسه، يحل مشكلاته بطريقته، بالرشوة، بالسرقة، بالانتحار، كل واحد حر، المهم أن ينام الوطن.
نحن في إجازة، دعونا نشم النسيم، نلون البيض، ونأكل الفسيخ، لا تسألوا من أين؟.. ما أسهل أن نأكل «سمك معفن»، وإن صعب الأمر - بلاها فسيخ - كلوا بصل، واستمتعوا بالشوارع خالية، واتركوا الوطن ينام قليلا، لعله يري حلما سعيدا لهذا الشعب، ولا نظهر له كعادتنا مجرد كوابيس.. والعياذ بالله.
