٤ شعبان ١٤٢٩ هـ

علام تصرخون

علام تصرخون ؟

٥/٨/٢٠٠٨

صرخ أهالي ضحايا العبَّارة «السلام ٩٨»، وافترشوا الأرض عويلا وغضبا بعد صدور حكم براءة أصحاب شركة السلام من مقتل ذويهم.. انتفضت الأقلام تحاول أن تتحسس طريقا في التعبير عن الانزعاج بحذر شديد.. فمن يعترض علي القضاء في بلادنا مصيره الحبس السريع.. هكذا يقول القانون.. لكن علام تصرخون؟.. وعلام تعترضون؟.. تصرخون علي من ماتوا؟!.. لقد رحلوا يرحمهم الله.. وكم مات من أبناء هذا الوطن هدرا بلا ثمن؟!

ألف في عبَّارة الفساد.. وجنود علي الحدود.. ومئات في القطارات وعشرات علي الطرقات.. علام تصرخون؟! وعلام تعترضون؟ علي القضاء؟! لقد حكم القاضي بما رآه بما حوّلته إليه النيابة: «التقصير في التبليغ»!! فقط هذه هي التهمة. التقصير في التبليغ.. اضحكوا معي كثيرا بدلا من الصراخ.. بماذا نتهم ممدوح إسماعيل وأسرته؟ هذا هو السؤال.. وهل هو وحده أم أنها منظومة كاملة من العفن لا نعرف أولها من آخرها؟! تلك هي القضية.. لماذا احتكر النقل في البحر الأحمر؟.. وكيف؟! من سمح له أن يصول ويجول بلا رقابة؟! من ترك سفينته بلا تفتيش ولا محاسبة؟! من غض البصر عنه كي يهرب هو وأسرته في وضح النهار؟!

علام تصرخون؟! علي ألف مصري؟! ومنذ متي كانت للإنسان قيمة علي هذه الأرض؟!.. مات غيرهم، أضعاف وأضعاف إما في منازل سقطت فوق رؤوس أصحابها، أو ممن راحوا ضحايا إهمال مستشفيات، أو ممن ماتوا حتي من التلوث الطبيعي للهواء والطعام والماء.. ونهدئ أنفسنا: إن أعمارهم قد انتهت، ونحن جميعا نعرف أنهم قتلوا بسبب الإهمال والفساد.. علام تصرخون..؟! والأهم: مَنْ نحاكم؟!

فقط ممدوح إسماعيل وأسرته وشركته؟ أم كل من حوله؟ أم كل من تقاعس، من أجهزة الدولة ومؤسساتها، في أن يهب للإنقاذ؟ أم نظاما بأكمله اعتاد الترهل والتفكك والتهاون حتي نخر السوس أوصاله، يسقط من حوله الضحايا إما لهذا أو ذاك.. ويكون القدر هو شماعتنا الأولي.. عادي.. علام تصرخون؟!

دفع ممدوح إسماعيل الدية.. كما يقول ديننا الحنيف.. نشكر لك كرمك.. أو بالأحري كرم شركات التأمين الدولية طبعا.. لكن حق المجتمع لايزال ضائعا.. حق الوطن لايزال تائها.. حق أهالي الضحايا لايزال منسيا، حتي ولو كان منهم من حصل علي الدية والتعويض.. علام تصرخون؟!

لا تصرخوا في وجه القاضي، فقد قرر بما يمليه عليه الورق المقدم.. لا تصرخوا في وجه المحامين الذين قاموا بدورهم وأخرجوا موكلهم بسهولة شديدة من ورطته، ولا في وجه النيابة التي حولت القضية بتهمة واهية ضعيفة.. اصرخوا في وجه مصر.. التي احتملت كثيرا.. ولكم ستحتمل أكثر من ذلك ظلما.. استأنف النائب العام الحكم.. تحرك سياسي متوقع لامتصاص غضب الناس.. هل سيؤثر؟! لا يهم.. لا شيء يهم.. لم يعد هناك شيء يهم.

ممدوح إسماعيل: احتفل بنجاحك وبراءتك هناك في لندن.. لكنك تعرف ـ حق المعرفة ـ أنك إذا وطأت أرض هذا الوطن فكل حبة رمل فيه تدينك.. حتي لو برَّأك قضاء العالم أجمع.. ومحاكم كل الدنيا.. حتي لو قابلك الأصدقاء بالترحاب والتهليل.. أنت تعرف.. احتفل كثيرا.. واضحك أكثر.. أما نحن.. فلنتوقف جميعا عن الصراخ.. فلن يغير العويل شيئا في زمن الفوضي.

Gazza

Gazza
هلوكوست غزة