إحياء مبدأ بن جوريون.. غزة بدون سكانها
بقلم: عاطف الغمري
البعض من الاخوة الفلسطينيين, قد تفيدهم إعادة قراءة وقائع ثابتة في تاريخ علاقتهم بإسرائيل, واضعين في الاعتبار, أن الحاضر السياسي لإسرائيل, لم ينفصل في يوم من الأيام عن التاريخ, فتاريخ الدولة اليهودية, له خط سير متصل بالحاضر, من قبل قيام الدولة اليهودية, وعبر حروبها, ومن قبل عملية السلام, ومن بعدها, ارتباطا بالمشروع الصهيوني الذي يمثل هذا الوعاء التاريخي. ولنقرأ معا هذه القصة: في السابع من فبراير1988 نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية موضوعا تحت عنوان طرد الفلسطينيين: ليست فكرة جديدة, وليس صاحبها كاهانا, والمقصود الحاخام المتطرف مائير كاهانا. قالت الصحيفة في تفاصيل روايتها الموثقة, التي حصلت عليها من المفكرة الشخصية لجاكوب هيرتزوج المدير العام لمكتب رئيس الوزراء: إن اثنين من الصحفيين الإسرائيليين هما يوسي ميلمان المحرر الدبلوماسية, لصحيفة دافار, ودان رافيف مراسل شبكة سي. بي. إس في لندن, كشفا عما دار في اجتماع لمجلس الوزراء الإسرائيلي عقد قبل أسبوعين من انتهاء حرب67 لمناقشة إعادة توطين العرب, وأن رئيس الوزراء مناحم بيجين أوصي بتدمير مخيمات اللاجئين, وترحيل الفلسطينيين إلي سيناء, وكانت المشاعر في اجتماع مجلس الوزراء تميل إلي تأييد اقتراح نائب رئيس الوزراء إيجال آلون بضرورة ترحيل الفلسطينيين إلي صحراء سيناء. وبناء عليه اشترك مكتب رئيس الوزراء ووزارة الدفاع وقيادة الجيش في تأسيس وحدة سرية مكلفة بترحيل الفلسطينيين من فلسطين. هذه الخطة أزاح الستار عنها آرييل شارون في اجتماع عقد في تل أبيب في نوفمبر1987, عندما كان يتحدث عن وجود منظمة يهودية قامت بالفعل علي مدي سنوات بترحيل منظم للفلسطينيين إلي دول أخري, وكان مكتب الحاكم العسكري الإسرائيلي في غزة هو المركز الرئيسي لتنفيذ خطة تصدير الفلسطينيين للخارج. وإذا انتقلنا من هذه الرواية الموثقة إلي صفحة أخري من صفحات التاريخ الحديث, فسنجد واقعة أخري صريحة عندما عبر ديفيد بن جوريون مؤسس إسرائيل ورئيس وزرائها عن غضبه لحظة علمه باستيلاء موشي ديان علي غزة عام1956, وقال له: لا أريد غزة وبها شعب, لكني أريد غزة بدون شعب. وعلي امتداد تاريخهم المتصل الذي بنيت استراتيجيتهم علي أساسه, كان شعارهم الذي وضعه هيرتزل يحمل هذه الكلمات نحن شعب بلا أرض, ذاهبون إلي أرض بلا شعب. وفي كتاب شلومو بن آمي وزير خارجية إسرائيل الأسبق ندوب الحرب وجروح السلام الصادر عام2006, قال: إن بن جوريون كانت لديه نية طرد الفلسطينيين, وإن هذا الهدف المسيطر كان ينتظر التوقيت المناسب للتنفيذ, وإن الحركة الصهيونية منذ أول جولة في الحرب في فلسطين وضعت تحت عينيها تنفيذ هذا الترحيل. وقد عبر بن جوريون عن هذا الخيار في أواخر الثلاثينيات عندما كتب: إن ما لا يمكن تصور حدوثه في الأوقات العادية هو شيء ممكن في الأوقات الثورية, وإذا ضاعت منا الفرصة في هذا التوقيت ولم يوضع موضع التنفيذ, ما هو ممكن في هذه الساعات العظيمة, فكأننا أضعنا العالم بأكمله. كل هذه الوقائع وهذه الصفحات الموثقة من تاريخهم, ألم تلق ولو بصيصا من ضوء أمام بعض الاخوة في غزة الذين هللوا للخروج الكبير(750 ألفا) للفلسطينيين من غزة إلي رفح حتي يتلفظ لسان منهم واصفا إياه بالانتفاضة الثالثة, ويصرح آخر بالرغبة في ترك الحدود مفتوحة ليتنقل الفلسطينيون بين غزة وسيناء, وما قاله مسئول آخر في حماس عن نية حكومته العمل من أجل الانفصال اقتصاديا عن إسرائيل واتخاذ مصر كبوابة للاستيراد والتصدير. وكان أن هللوا في إسرائيل لهذه المقترحات, وللخروج الفلسطيني الكبير, قالت عنها صحيفة هاآرتس: إنه اقتراح لقي ترحيبا من الدوائر السياسية الإسرائيلية, وقال عنه نائب وزير الدفاع في حكومة أولمرت: هذه فرصة يجب أن تنتهزها إسرائيل وتتخلص من غزة, وتلقي مسئوليتها علي مصر, وقال مسئول إسرائيلي آخر: هذا ما كانت تنتظره إسرائيل. إن وجهات نظر إسرائيل ليست تصريحا عارضا لكنها تجسيد لاستراتيجية دولة, ضمن خطوط المشروع الصهيوني, والسياسات التي لم يحدث يوما أن حادت عنه أو خرجت علي أهدافه. وهي استراتيجية متحفزة, تنتظر التوقيت المناسب الذي وصفه بن جورين بالأوقات الثورية التي يمكن فيها حدوث ما لا يمكن حدوثه في الأوقات العادية, والأوقات الثورية حسب تعريفهم وممارساتهم لها, هي أوقات الحرب والفوضي, ولم يكن خافيا أن الوضع الذي أوصلوا إليه غزة كان مقصودا به دفعهم إلي سيناء وسط حالة من الفوضي الأمنية. إن قراءة التاريخ ليست ترفا, فما بالكم والتاريخ عند إسرائيل هو نبع سياساتهم وسلوكياتهم, عقائديا وفكريا وسياسيا؟ فهل من يعيد قراءة التاريخ. وحسب نظرية بن جوريون, وإلي جانبها مبدأ توازن القوي الذي يحكم سياسة إسرائيل, فهي لا تجرؤ علي القفز بأطماعها خارج الحدود المحسوبة, إلا إذا أفسح لها الجانب الآخر طوعا, وعن وعي أو عن غير وعي, ثغرة تنفذ منها. فقط أعيدوا قراءة التاريخ الحي, وقد يكون من المهم في حالة دول أخري قراءة ما بين السطور, أما في حالة إسرائيل فقراءة السطور وحدها تكفي, فهي ناطقة صريحة بلا أي مواربة ولا غموض.. فهل من يقرأ؟ |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق