٦ صفر ١٤٢٩ هـ

هل من يقرأ؟

إحياء مبدأ بن جوريون‏..‏ غزة بدون سكانها
بقلم: عاطف الغمري


البعض من الاخوة الفلسطينيين‏,‏ قد تفيدهم إعادة قراءة وقائع ثابتة في تاريخ علاقتهم بإسرائيل‏,‏ واضعين في الاعتبار‏,‏ أن الحاضر السياسي لإسرائيل‏,‏ لم ينفصل في يوم من الأيام عن التاريخ‏,‏ فتاريخ الدولة اليهودية‏,‏ له خط سير متصل بالحاضر‏,‏ من قبل قيام الدولة اليهودية‏,‏ وعبر حروبها‏,‏ ومن قبل عملية السلام‏,‏ ومن بعدها‏,‏ ارتباطا بالمشروع الصهيوني الذي يمثل هذا الوعاء التاريخي‏.‏ ولنقرأ معا هذه القصة‏:‏

في السابع من فبراير‏1988‏ نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية موضوعا تحت عنوان طرد الفلسطينيين‏:‏ ليست فكرة جديدة‏,‏ وليس صاحبها كاهانا‏,‏ والمقصود الحاخام المتطرف مائير كاهانا‏.‏

قالت الصحيفة في تفاصيل روايتها الموثقة‏,‏ التي حصلت عليها من المفكرة الشخصية لجاكوب هيرتزوج المدير العام لمكتب رئيس الوزراء‏:‏ إن اثنين من الصحفيين الإسرائيليين هما يوسي ميلمان المحرر الدبلوماسية‏,‏ لصحيفة دافار‏,‏ ودان رافيف مراسل شبكة سي‏.‏ بي‏.‏ إس في لندن‏,‏ كشفا عما دار في اجتماع لمجلس الوزراء الإسرائيلي عقد قبل أسبوعين من انتهاء حرب‏67‏ لمناقشة إعادة توطين العرب‏,‏ وأن رئيس الوزراء مناحم بيجين أوصي بتدمير مخيمات اللاجئين‏,‏ وترحيل الفلسطينيين إلي سيناء‏,‏ وكانت المشاعر في اجتماع مجلس الوزراء تميل إلي تأييد اقتراح نائب رئيس الوزراء إيجال آلون بضرورة ترحيل الفلسطينيين إلي صحراء سيناء‏.‏ وبناء عليه اشترك مكتب رئيس الوزراء ووزارة الدفاع وقيادة الجيش في تأسيس وحدة سرية مكلفة بترحيل الفلسطينيين من فلسطين‏.‏

هذه الخطة أزاح الستار عنها آرييل شارون في اجتماع عقد في تل أبيب في نوفمبر‏1987,‏ عندما كان يتحدث عن وجود منظمة يهودية قامت بالفعل علي مدي سنوات بترحيل منظم للفلسطينيين إلي دول أخري‏,‏ وكان مكتب الحاكم العسكري الإسرائيلي في غزة هو المركز الرئيسي لتنفيذ خطة تصدير الفلسطينيين للخارج‏.‏

وإذا انتقلنا من هذه الرواية الموثقة إلي صفحة أخري من صفحات التاريخ الحديث‏,‏ فسنجد واقعة أخري صريحة عندما عبر ديفيد بن جوريون مؤسس إسرائيل ورئيس وزرائها عن غضبه لحظة علمه باستيلاء موشي ديان علي غزة عام‏1956,‏ وقال له‏:‏ لا أريد غزة وبها شعب‏,‏ لكني أريد غزة بدون شعب‏.‏ وعلي امتداد تاريخهم المتصل الذي بنيت استراتيجيتهم علي أساسه‏,‏ كان شعارهم الذي وضعه هيرتزل يحمل هذه الكلمات نحن شعب بلا أرض‏,‏ ذاهبون إلي أرض بلا شعب‏.‏

وفي كتاب شلومو بن آمي وزير خارجية إسرائيل الأسبق ندوب الحرب وجروح السلام الصادر عام‏2006,‏ قال‏:‏ إن بن جوريون كانت لديه نية طرد الفلسطينيين‏,‏ وإن هذا الهدف المسيطر كان ينتظر التوقيت المناسب للتنفيذ‏,‏ وإن الحركة الصهيونية منذ أول جولة في الحرب في فلسطين وضعت تحت عينيها تنفيذ هذا الترحيل‏.‏

وقد عبر بن جوريون عن هذا الخيار في أواخر الثلاثينيات عندما كتب‏:‏ إن ما لا يمكن تصور حدوثه في الأوقات العادية هو شيء ممكن في الأوقات الثورية‏,‏ وإذا ضاعت منا الفرصة في هذا التوقيت ولم يوضع موضع التنفيذ‏,‏ ما هو ممكن في هذه الساعات العظيمة‏,‏ فكأننا أضعنا العالم بأكمله‏.‏

كل هذه الوقائع وهذه الصفحات الموثقة من تاريخهم‏,‏ ألم تلق ولو بصيصا من ضوء أمام بعض الاخوة في غزة الذين هللوا للخروج الكبير‏(750‏ ألفا‏)‏ للفلسطينيين من غزة إلي رفح حتي يتلفظ لسان منهم واصفا إياه بالانتفاضة الثالثة‏,‏ ويصرح آخر بالرغبة في ترك الحدود مفتوحة ليتنقل الفلسطينيون بين غزة وسيناء‏,‏ وما قاله مسئول آخر في حماس عن نية حكومته العمل من أجل الانفصال اقتصاديا عن إسرائيل واتخاذ مصر كبوابة للاستيراد والتصدير‏.‏

وكان أن هللوا في إسرائيل لهذه المقترحات‏,‏ وللخروج الفلسطيني الكبير‏,‏ قالت عنها صحيفة هاآرتس‏:‏ إنه اقتراح لقي ترحيبا من الدوائر السياسية الإسرائيلية‏,‏ وقال عنه نائب وزير الدفاع في حكومة أولمرت‏:‏ هذه فرصة يجب أن تنتهزها إسرائيل وتتخلص من غزة‏,‏ وتلقي مسئوليتها علي مصر‏,‏ وقال مسئول إسرائيلي آخر‏:‏ هذا ما كانت تنتظره إسرائيل‏.‏

إن وجهات نظر إسرائيل ليست تصريحا عارضا لكنها تجسيد لاستراتيجية دولة‏,‏ ضمن خطوط المشروع الصهيوني‏,‏ والسياسات التي لم يحدث يوما أن حادت عنه أو خرجت علي أهدافه‏.‏

وهي استراتيجية متحفزة‏,‏ تنتظر التوقيت المناسب الذي وصفه بن جورين بالأوقات الثورية التي يمكن فيها حدوث ما لا يمكن حدوثه في الأوقات العادية‏,‏ والأوقات الثورية حسب تعريفهم وممارساتهم لها‏,‏ هي أوقات الحرب والفوضي‏,‏ ولم يكن خافيا أن الوضع الذي أوصلوا إليه غزة كان مقصودا به دفعهم إلي سيناء وسط حالة من الفوضي الأمنية‏.‏

إن قراءة التاريخ ليست ترفا‏,‏ فما بالكم والتاريخ عند إسرائيل هو نبع سياساتهم وسلوكياتهم‏,‏ عقائديا وفكريا وسياسيا؟ فهل من يعيد قراءة التاريخ‏.‏

وحسب نظرية بن جوريون‏,‏ وإلي جانبها مبدأ توازن القوي الذي يحكم سياسة إسرائيل‏,‏ فهي لا تجرؤ علي القفز بأطماعها خارج الحدود المحسوبة‏,‏ إلا إذا أفسح لها الجانب الآخر طوعا‏,‏ وعن وعي أو عن غير وعي‏,‏ ثغرة تنفذ منها‏.‏

فقط أعيدوا قراءة التاريخ الحي‏,‏ وقد يكون من المهم في حالة دول أخري قراءة ما بين السطور‏,‏ أما في حالة إسرائيل فقراءة السطور وحدها تكفي‏,‏ فهي ناطقة صريحة بلا أي مواربة ولا غموض‏..‏ فهل من يقرأ؟

ليست هناك تعليقات:

Gazza

Gazza
هلوكوست غزة